تتمتع المشتقات بتاريخ طويل ومثير للاهتمام، حيث يعود ظهورها الأول إلى بلاد ما بين النهرين، حين استخدم المزارعون العقود الآجلة لتأمين أسعار المحاصيل قبل وقت طويل من موسم الحصاد. انتقلت هذه الممارسة إلى اليونان القديمة وروما، حيث استُخدمت عقود مماثلة للسلع الأساسية مثل الزيتون، والحبوب، وحتى الزيوت. أرست هذه الأشكال المُبتكرة من المشتقات الأساس لظهور الأدوات المالية الحديثة، والتي مكّنت المشاركين في الأسواق من التحوُّط ضد تقلبات الأسعار، وتأمين الأرباح والتكاليف المستقبلية بحيث تصبح أكثر قابلية للتنبؤ.
نستكشف في مقالة اليوم بعض الطرق الشائعة التي يُمكن من خلالها الانخراط في العالم المثير للعملات الرقمية. وسواء كُنا نتحدث عن العقود الآجلة أو الخيارات أو عقود المبادلة الدائمة، يتوفر للمتداول طرق عديدة لمسح الأسواق بحثُا عن أي أرباح محتملة، بالتوازي مع إدارة المخاطر المرتبطة بكل استراتيجية. دعنا نتعمق في آليات كُل نوع من هذه المشتقات، مع استعراض المزايا والمخاطر التي تنطوي عليها، وذلك حتى يتسنى لك أن تفهم بشكل أفضل كيف تُشكل هذه الأدوات المالية مشهد تداول العملات الرقمية.
المشتقات في تداول العملات الرقمية
تطورت المشتقات لتلبية متطلبات أسواق العملات الرقمية سريعة الخطى، وذلك بالتوازي مع صعود نجم الأصول الرقمية. وعلى عكس المشتقات التقليدية المرتبطة بسلع مادية أو أدوات مالية مثل الأسهم والسندات، تمنح مشتقات العملات الرقمية المتداول القدرة على المضاربة على تحركات أسعار العُملات الرقمية دون امتلاك الأصل الأساسي بشكل فعلي. نتيجةً لذلك، أصبحت مشتقات العُملات الرقمية أحد الأدوات المالية المُركبة التي يجري توظيفها في الاستراتيجيات مرتفعة المخاطر ومرتفعة العائد على حد سواء.
يستخدم كل من المتداولين والمستثمرين المشتقات لأغراض التحوط، والمراجحة السعرية، والمضاربة، وذلك بفضل قدرتها على تضخيم كُلًا من الأرباح والخسائر. فتحت هذه الأدوات المالية عالمًا من الفُرص، ولكنها تتطلب فهمًا عميقًا لديناميكيات السوق والرافعة المالية وإدارة المخاطر. دعنا الآن نستعرض سريعًا أدوات المشتقات للعُملات الرقمية الرئيسية، والتي لكل منها ميزاتها الفريدة التي تساعد المتداولين في التعامل مع عالم العملات الرقمية سريع الخُطى.
العقود الآجلة على العملات الرقمية
العقود الآجلة على العملات الرقمية هي اتفاقيات قانونية تُلزم المتداول بشراء الأصل بسعر محدد سلفًا في تاريخ مستقبلي. يتضمن كل عقد عدد محدد من الوحدات، ومتطلبات الهامش وطريقة التسوية، بحيث يمكن تداولها مع الوسطاء أو عبر البورصات في جميع أنحاء العالم.
الخصائص الرئيسية:
- تاريخ الانتهاء: يحدد العقد تاريخ تسوية وتسليم الأصل بدقة.
- الرافعة المالية: تسمح العقود الآجلة للمتداولين بالتحكم في المراكز الصغيرة مقابل توظيف رأس مال صغير نسبيًا.
- التحوط: يستخدم المتحوطون العقود الآجلة لحمايتهم من تقلبات الأسعار، أو تحقيق أرباح من تحركات السعر المتوقعة.
عقود خيارات العملات الرقمية
عقد خيار العملات الرقمية هو أحد المشتقات المالية التي تمنح المشتري الحق، ولكن ليس الالتزام، بشراء أو بيع الأصل الأساسي (مثل سهم، أو سلعة، أو عملة) بسعر محدد، سواء في تاريخ انتهاء العقد أو قبل حلول الأجل. على عكس العقود الآجلة، توفر الخيارات مرونة تنفيذ الصفقة أو ترك العقد حتى ينتهي دون ممارسة الخيار.
الخصائص الرئيسية
- سعر الممارسة: السعر الذي يستخدمه المشتري في شراء أو بيع الأصل.
- تاريخ الانتهاء: أخر تاريخ يمكن فيه ممارسة (تنفيذ) الخيار.
- العلاوة:السعر الذي يدفعه المشتري للاستحواذ على الخيار.
- الرافعة المالية: تسمح الخيارات للمتداول بالتحكم في كمية كبيرة من الأصل برأس مال صغير، تمامًا مثل العقود الآجلة.
عقود المبادلة الدائمة للعملات الرقمية
عقود المبادلة الدائمة هي أحد أنواع المشتقات التي تسمح للمتداول بالمضاربة على سعر الأصل (مثل العملات الرقمية، السلع، أو أدوات مالية أخرى) دون تاريخ محدد لانتهاء العقد، وذلك على خلاف العقود الآجلة التقليدية، وهو ما يجعلها تحظى بشعبية كبيرة في أسواق الأصول المشفرة.
الخصائص الرئيسية
- تاريخ الانتهاء: على عكس العقود الآجلة، لا تنطوي عقود المبادلة الدائمة على تاريخ محدد للتسوية أو الانتهاء. يعني ذلك أن المتداول يمكنه الاحتفاظ بمراكزه مفتوحة إلى أجل غير مسمى، طالما كان يستوفي متطلبات الهامش.
- آلية سعر التمويل: تستخدم عقود المبادلة الدائمة آلية تسمى “سعر التمويل” للحفاظ على توافق سعر العقد مع سعر السوق للأصل الأساسي (أو السعر الفوري)، هو ما يقتضيه عدم وجود تاريخ انتهاء محدد للعقد.
- الرافعة المالية: تسمح عقود المبادلة الدائمة عادةً باستخدام نسب مرتفعة للرافعة المالية، ما يعني أن المتداول يمكنه التحكم في مراكز كبيرة الحجم مقابل توظيف مبالغ صغيرة من رأس المال. برغم ذلك، يؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة مخاطر تصفية المراكز إذا تحرك السوق ضدها.
- التسوية المستمرة:يجري تسوية عقود المبادلة الدائمة بشكل مستمر، ما يعني أن الأرباح والخسائر تنعكس في الوقت الحقيقي بالتوازي مع حركة السوق، وليس في تاريخ مستقبلي محدد.
الرافعة المالية ومشتقات العملات الرقمية

تعتبر الرافعة المالية أحد السمات الجوهرية في أنواع المشتقات الثلاثة —العقود الآجلة، والخيارات، والمبادلات الدائمة— حيث تسمح للمتداول بالتحكم في مراكز كبيرة الحجم مقابل رأس مال صغير نسبيًا. برغم ذلك، تختلف آلية عمل الرافعة المالية والمخاطر التي تنطوي عليها باختلاف نوع أداة المشتقات، لذلك دعنا نُحلل بسرعة كيفية الاستخدام في كل حالة مع الاستعانة ببعض الأمثلة العملية.
1. العقود الآجلة
- استخدام الرافعة المالية: توفر العقود الآجلة الرافعة المالية بطبيعتها، لأن المتداول لا يحتاج سوى لإيداع هامش (نسبة صغيرة من إجمالي قيمة العقد) لفتح المركز والاحتفاظ به. يعمل الهامش هنا كضمان، ويمكن تعديله من خلال الهامش الأولي (المطلوب لفتح المركز) وهامش الصيانة (المطلوب لإبقاء المركز مفتوحًا).
- نسبة الرافعة: تختلف نسبة الرافعة المالية من حالة لأخرى، ولكنها غالبًا ما تكون مرتفعة. إذا استخدم المتداول رافعة بنسبة 1:10 لفتح عقد آجل بقيمة 10,000$، فسيحتاج إلى هامش بقيمة 1,000$ فقط لفتح المركز. في هذه الحالة، فإن تحرك سعر الأصل بنسبة 1% سيؤدي إلى أرباح أو خسائر بنسبة 10% من رأس مال المتداول.
2. عقود الخيارات
- استخدام الرافعة:تتضمن الخيارات رافعة مالية مُدمجة، لأن المشتري يدفع في الأصل علاوة صغيرة لفتح مركز في السوق على كمية كبيرة من الأصل الأساسي.
- نسبة الرافعة: يمكن أن توفر الخيارات رافعة مالية مرتفعة تتجاوز 1:100، وهو ما يعني أن أي تحركات طفيفة في سعر الأصل الأساسي ستؤثر بشكل كبير على قيمة الخيار. دعنا نفترض أن المتداول سيشتري خيار شراء (call option) بسعر تنفيذ 100$ مقابل علاوة بقيمة 2$. إذا تحرك سعر الأصل إلى 105$، فسوف تزيد قيمة الخيار بشكل كبير، وسيحقق العقد بالتبعية أرباح كبيرة مقابل استثمار أولي صغير.
3. عقود المبادلة الدائمة
- استخدام الرافعة:تسمح عقود المبادلة الدائمة، لاسيما في أسواق العملات الرقمية، بفتح مراكز باستخدام نسبة مرتفعة للرافعة المالية ودون تاريخ محدد لانتهاء العقد. يودِع المتداول الهامش، والذي يُطلق عليه أيضًا الضمان، للتحكم في مراكز كبيرة الحجم، تمامًا كما هو الحال مع العقود الآجلة. تظل الرافعة المالية قائمة طالما كان المتداول يستوفي متطلبات الهامش.
- نسبة الرافعة: تنطوي عقود المبادلة الدائمة على رافعة مالية مرتفعة للغاية، تصل عادةً إلى 1:100 أو أكثر. يسمح ذلك للمتداول بالتحكم في كمية كبيرة من الأصل الأساسي مقابل مبلغ صغير للضمان. على سبيل المثال، إذا كان المتداول يستخدم رافعة مالية بنسبة 1:100 لفتح مركز بقيمة 10,000$، فسوف يحتاج إلى إيداع 100$ فقط كهامش. إذا تحرك السوق بنسبة 1% ضد الصفقة، فقد يخسر صفقته بالكامل التي ستواجه في هذه الحالة خطر التصفية.
إدارة المخاطر في تداول مشتقات العملات الرقمية
يوفرتداول العملات الرقمية عن طريق المشتقات بالرافعة المالية فرصًا لكسب عوائد مرتفعة، ولكنه يُضخم أيضًا المخاطر التي يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة بنفس القدر، ما لم يُديرها المتداول بشكل صحيح. كما أشرنا أنفًا، تتيح الرافعة المالية للمتداول التحكم في مراكز ذات حجم أكبر كثيرًا مما يتيحه رأسماله الفعلي، لذلك فإن أي تحركات طفيفة في السوق قد تؤدي إلى أرباح كبيرة— أو خسائر فادحة. يتطلب التعامل مع هذه البيئة مرتفعة المخاطر أن يستخدم المتداول عدد من أدوات إدارة المخاطر المُصممة خصيصًا لحماية رأسماله، وتقليص انكشافه على تقلبات السوق، وتقليل فرص تصفية المراكز بشكل إجباري. فيما يلي بعض الاستراتيجيات الشائعة والفعالة لإدارة المخاطر، والتي تُستخدم عادةً في تداول العملات الرقمية بالرافعة المالية:
1. التحكم في الرافعة المالية
- ما هذا:اضبط نسبة الرافعة المالية حسب درجة تحملك للمخاطرة وظروف السوق.
- ما أهمية ذلك: تؤدي الرافعة المالية المرتفعة إلى تضخيم الأرباح والخسائر على حد سواء. لذلك من الوارد تصفية استثماراتك في الأسواق المتقلبة، مثل العملات الرقمية، إذا تحرك السوق ضدك ولو بشكل طفيف.
- أفضل الممارسات: يجب أن يستخدم المبتدئون رافعة مالية منخفضة (على سبيل المثال، بمضاعف يتراوح من 2x إلى 5x) للحد من انكشافهم على المخاطرة. يستطيع المتداول المحترف زيادة الرافعة المالية، ولكن ينبغي أن يكون أيضًا على دراية بارتفاع المخاطر. تسمح لك العديد من المنصات بتعديل الرافعة المالية أثناء التداول، لذلك فكر في تقليل الرافعة إذا زادت حدة التقلبات في السوق.
2. التنويع
- ما هذا: ينطوي التنويع على توزيع رأس المال عبر عدة أصول أو أسواق بهدف تقليل المخاطر الكلية.
- ما أهمية ذلك: تتميز أسواق العملات الرقمية بعلاقات ارتباط وثيقة، ولكن يظل تنويع الاستثمار عبر عدة عملات رقمية أو فئات أصول مختلفة أداة مفيدة للتخفيف من المخاطر المرتبطة بتقلبات الأسعار لأصل منفرد.
- أفضل الممارسات: لا تضع رأسمالك بأكمله في صفقة واحدة مفتوحة برافعة مالية. وزع رأسمالك على عدة مراكز أو أصول لتجنب مواجهة خسائر فادحة بسبب تدهور سوق بعينه.
3. استخدام معدل التمويل لمصلحتك (مع عقود المبادلة الدائمة)
- ما هذا: معدلات التمويل هي مدفوعات دورية يدفعها أصحاب مراكز الشراء والبيع للحفاظ على توافق سعر عقد المبادلة الدائم مع السعر الفوري. يمكن أن تدفع أو تكسب رسوم تمويلية بحسب السوق الذي تتداول فيه.
- ما أهمية ذلك: يمكن أن يؤدي دفع رسوم التمويل لفترة طويلة إلى تآكل أرباحك بمرور الوقت. لذلك ينبغي على المتداول الذي يحتفظ بمراكز طويلة الأجل أن يراقب معدل التمويل لتجنب دفع رسوم مرتفعة يمكن أن تؤدي إلى انكماش رأس المال.
- أفضل الممارسات: تجنب استخدام رافعة مالية عالية عندما تكون رسوم التمويل مرتفعة، لأن هذه الرسوم ستُضاف في نهاية المطاف إلى التكاليف التي تدفعها. وبالعكس، يمكنك فتح مراكز تتيح لك كسب رسوم تمويلية من خلال التواجد على الجانب الآخر من سوق مزدحمة، مثل بيع أصل رقمي على المكشوف في الوقت الذي تأخذ فيه غالبية المتداولين مراكز شراء.
4. مراقبة سعر التصفية
- ما هذا: سعر التصفية هو مستوى السعر الذي سيُغلق عنده الوسيط تلقائيًا مركز مفتوح بالرافعة المالية بهدف منع المزيد من الخسائر، وضمان أن خسائرك لن تزيد عن قيمة الهامش.
- ما أهمية ذلك: سيتم إغلاق مركزك بأكمله إذا وصل سعر السوق إلى سعر التصفية، وهو ما سيؤدي إلى خسارة الهامش بأكمله.
- أفضل الممارسات: يجب أن تكون على دراية دائمًا بسعر التصفية، وتتأكد أنه بعيد بالقدر الكافي عن مستويات السوق الحالية. استخدم رافعة مالية منخفضة أو قم بزيادة الهامش لدفع سعر التصفية بعيدًا عن تقلبات السوق المحتملة.
5. تجنب الإفراط في التداول
- ما هذا: يشير الإفراط في التداول إلى تنفيذ عدد كبير من الصفقات أو مواجهة مخاطر مرتفعة دون استراتيجية واضحة، وهو سلوك يحفزه دائمًا مشاعر مثل الخوف والجشع.
- ما أهمية ذلك: يؤدي فتح عدد كبير من الصفقات برافعة مالية مرتفعة، لاسيما بدون إجراء تحليلات ملائمة، إلى تكبد خسائر فادحة بسبب الرسوم، وتذبذبات السوق، واتخاذ قرارات عاطفية.
- أفضل الممارسات: التزم بخطة تداول واضحة المعالم ولا تدخل صفقات إلا بناءً على تحليل شامل. تجنب الصفقات المتهورة، لاسيما بعد مواجهة خسارة، لأن هذا النمط من التداول الانتقامي لا يؤدي غالبًا سوى لمزيد من المخاطر.
6. التحوط
- ما هذا:ينطوي التحوط على اتخاذ مركز معاكس في الأصول أو المشتقات المرتبطة لتعويض الخسائر المحتملة.
- ما أهمية ذلك: يساعد التحوط في تقليص الانكشاف على تحركات السوق المعاكسة. على سبيل المثال، إذا كان لديك مركز مفتوح على البيتكوين برافعة مالية، ربما تفكر في فتح مركز بيع أصغر على عقود البيتكوين الآجلة بهدف تقليل المخاطر في حالة تراجع السعر.
- أفضل الممارسات: يساعد التحوط في حماية رأسمالك، لاسيما أثناء فترات السوق المتذبذبة. لذلك من الحكمة التفكير في استخدام استراتيجيات التحوط لتقليل الخسائر المحتملة من المراكز الكبيرة.
استراتيجيات التحوط في أسواق العملات الرقمية

الهدف الرئيسي من التحوط هو تعويض الخسائر المحتملة من خلال فتح مراكز معاكسة على أصول توجد بينها علاقة ارتباط. لذلك قد لا تولد صفقات التحوط بالضرورة أرباحًا، لأنها كما أسلفنا تحمي محفظة المتداول من تحركات السوق العكسية، وبهدف رئيسي هو الحد من المخاطر. يكون هذا الأمر بالغ الأهمية في أسواق العملات الرقمية على وجه الخصوص، حيث تظهر قفزات الأسعار الدراماتيكية في لمح البصر بسبب عوامل مختلفة مثل معنويات السوق، والتغيرات التنظيمية، واتجاهات الاقتصاد الكلي. نستعرض فيما يلي بعض استراتيجيات التحوط التي يشيع استخدامها من قبل المتداولين في عالم أسواق العملات الرقمية المتقلبة.
1. استخدام العقود الآجلة
إذا كان بحوزتك أصل رقمي وكنت قلقًا بشأن انخفاض السعر، عندها يمكنك بيع عقد آجل لتأمين السعر الحالي. إذا انخفض السعر بالفعل، فإن الربح المحقق من العقد الآجل سيُعوض خسارتك من الاحتفاظ بالأصل الرقمي. يعتبر التحوط باستخدام العقود الآجلة هو الخيار الأفضل لتثبيت أسعار المبيعات المستقبلية أو تخفيف مخاطر الهبوط في الأسواق شديدة التذبذب.
2. عقود المبادلة الدائمة
عقود المبادلة الدائمة هي أحد أنواع العقود الآجلة التي لا تتضمن تاريخ انتهاء محدد، وهو ما يسمح باستمرار التحوط دون انقطاع. إذا كنت تحتفظ بمركز شراء على عملة رقمية، يمكنك فتح مركز بيع باستخدام عقود المبادلة الدائمة للتحوط من الانخفاض المحتمل للأسعار. لا يوجد تاريخ تسوية لعقود المبادلة، وهو ما يسمح لك بالاحتفاظ بها كأداة للتحوط طالما اقتضت الضرورة. تعتبر عقود المبادلة الدائمة خيارًا مثاليًا للمحافظ طويلة الأجل لأنها لا تتطلب ترحيل العقود.
3. عقود الخيارات
هناك طريقتان يمكنك من خلالهما التحوط لعقود الخيارات: عن طريق شراء خيارات البيع (put options)، والتي تحميك من انخفاض السعر عن طريق الاستفادة من الحق في بيع الأصل بسعر محدد. الطريقة الأخرى هي بيع خيارات الشراء (call options)، والتي تمنحك دخلاً من علاوة الخيار يمكن استخدامه في تخفيف الخسائر المحتملة لمركز الشراء. الميزة الرئيسية لعقود الفروقات هي أنها تتيح مرونة التحوط مقابل مخاطرة محدودة، حيث أن الحد الأقصى للخسارة التي يمكن أن تتكبدها هي قيمة العلاوة المدفوعة في عقد المشتقات.
4. استراتيجيات دلتا الحيادية
تنطوي استراتيجية دلتا الحيادية على إنشاء محفظة يكون فيها معادل دلتا الإجمالي، والذي يقيس حساسية المحفظة لتغيرات الأسعار في الأصل الأساسي، يساوي صفرًا، ما يعني أن قيمة المحفظة لن تتأثر نسبيًا بتحركات الأسعار الصغيرة. يمكنك تحقيق حياد دلتا عن طريق الجمع بين مراكز الشراء والبيع في العقود الآجلة أو أسواق الخيارات. على سبيل المثال، يمكنك الاحتفاظ بمركز شراء على البيتكوين والتحوط مقابله من خلال فتح مركز بيع معاكس بنفس القيمة على عقود البيتكوين الآجلة أو عقود المبادلة الدائمة. تعد استراتيجيات دلتا الحيادية الخيار الأفضل لتقليل المخاطر من تقلبات الأسعار الصغيرة، مع مواصلة الاستفادة من تقلبات السوق أو عوامل أخرى مثل رسوم التمويل.
5. التحوط بين الأصول
يُطلق على التحوط لمركزك على عملة رقمية باستخدام أصل ذات علاقة ارتباط إيجابية أو معاكسة مصطلح التحوط بين الأصول أو التحوط التقاطعي. على سبيل المثال، يمكنك التحوط لمركز شراء على البيتكوين عن طريق بيع عملة بديلة ذات صلة، مثل الإيثريوم. أو بدلاً من ذلك، إذا كانت لديك توقعات صعودية تجاه العملة الرقمية، ولكنك قلق بشأن التقلبات قصيرة الأجل، يمكنك الاحتفاظ بالبيتكوين والتحوط لذلك بفتح مركز بيع على أصل تقليدي مثل الذهب، والذي يتحرك عادةً في اتجاه معاكس للعملات الرقمية. تعتبر هذه الطريقة رائعة لتنويع المخاطر عبر فئات أصول مختلفة أو التحوط من الانكشاف على أصول مشفرة ذات علاقات ارتباط.
6. التحويل للعملات المستقرة
إذا كنت قلقًا بشأن تقلبات سوق العملات أو تتخوف من انخفاض وشيك في الأسعار، في هذه الحالة يمكنك تحويل حيازاتك إلى عملات مستقرة. يحافظ ذلك على قيمة محفظتك من خلال تحويلها إلى أصل مستقر، ولكن دون الخروج من بيئة العملات الرقمية ككل. هذا الخيار قد يكون مناسبًا للتحوط في الأجل القصير من تقلبات السوق أو تأمين الأرباح دون الحاجة لتحويل حيازاتك إلى عملات عادية.
7. استراتيجية خيار الشراء المُغطى
تنطوي استراتيجية خيار الشراء المُغطى على الاحتفاظ بأصل رقمي، البيتكوين على سبيل المثال، وفي نفس الوقت بيع خيار الشراء (call options) على هذا الأصل. ستحتفظ أنت في هذه الحالة بعلاوة بيع خيار الشراء، والتي يمكن أن تُعوض أي حركة هبوطية في الأصل الأساسي. إذا ظل السعر أعلى سعر الممارسة (التنفيذ)، ستحتفظ بكلاً من العلاوة والأصل الرقمي. أما إذا تجاوز سعر الممارسة، ستكون مضطرًا لبيع العملة الرقمية، ولكن ستحتفظ بالعلاوة. هذه الطريقة التحوطية هي الخيار الأفضل لتوليد دخل أثناء الاحتفاظ بعملة رقمية، مع إتاحة خيار البيع بسعر أعلى.
8. مراجحة رسوم التمويل (عقود المبادلة الدائمة)
تُفرض رسوم تمويلية على عقود المبادلة الدائمة، والتي قد تكسبها أو تدفعها بحسب معنويات السوق السائدة. يمكنك الاستفادة من معدلات التمويل عن طريق التحوط لمراكز الشراء والبيع بناءً على ما إذا كانت الرسوم موجبة (صفقات الشراء تدفع لصفقات البيع) أو سلبية (صفقات البيع تدفع لصفقات الشراء). على سبيل المثال، إذا كان معدل التحويل مرتفعًا، يمكنك التحوط لمركز الشراء عن طريق بيع عقود المبادلة الدائمة على المكشوف بهدف كسب رسوم التمويل. تعتبر مراجحة رسوم التمويل طريقة رائعة لتقليل تكلفة الاحتفاظ بالمراكز أو كسب دخل سلبي من خلال رسوم التمويل.
9. التحوط من خلال مؤشرات العملات الرقمية
يمكنك التحوط لمركزك على العملات الرقمية عن طريق بيع أو استخدام الخيارات على مؤشر للأصول المشفرة، والذي سيمنحك فرصة الانكشاف على عموم السوق. يساعد ذلك في تقليل المخاطر دون الحاجة لبيع العملات الرقمية ذاتها، لاسيما عندما تكون غير متأكد من الأصول التي ستحقق أداءً دون المستوى. لذلك، يعتبر التحوط باستخدام مؤشرات العملات الرقمية طريقة مناسبة لتقليل المخاطر على مستوى محفظة مكونة بالكامل من عملات رقمية دون الحاجة لاستهداف أصول محددة.
10. التداول الشبكي
التداول الشبكي هو طريقة لوضع أوامر شراء وبيع على فترات زمنية محددة سلفًا عند مستوى معين للسعر. إذا كنت تتوقع أن يشهد السوق تقلبات، ولكن لست متأكدًا من الاتجاه النهائي، عندها يمكنك التحوط لمراكزك عن طريق وضع أوامر شراء وبيع عند مستويات مختلفة للأسعار. تساعد هذه الاستراتيجية في تحقيق أرباح من تقلبات السعر في كلا الاتجاهين. تعتبر هذه الطريقة مناسبة لتحقيق أرباح من الأسواق العرضية المتقلبة دون الرهان بقوة على اتجاه معين.
الأخطاء والمزالق الشائعة
ربما يحقق تداول مشتقات العملات الرقمية بالرافعة المالية فرصة لتحقيق أرباح مغرية، ولكنه ينطوي أيضًا على مخاطر جمة. يقع العديد من المتداولين، لاسيما المبتدئين، في بعض الأخطاء الشائعة التي ربما تكبدهم خسائر فادحة. لذلك من المهم دائمًا حماية استراتيجيتك عند تداول مشتقات العملات الرقمية بالرافعة المالية. نسرد فيما يلي بعض الأخطاء الأكثر شيوعًا التي يمكن أن يقع فيها المتداول:
1. الإفراط في استخدام الرافعة المالية
- المشكلة: يستخدم بعض المتداولين عادةً مستويات مرتفعة للغاية من الرافعة المالية، بهدف مضاعفة الأرباح والخسائر المحتملة.
- الأثار المترتبة: قد يؤدي ذلك إلى تصفية مراكز التداول حتى مع تقلبات السعر الطفيفة، مما قد يتسبب في خسارة المتداول للهامش بأكمله.
- الحل:استخدم رافعة مالية متحفظة (على سبيل المثال، من 2 إلى 5 أضعاف) وتأكد من الفهم الكامل للمخاطر والمكافآت المرتبطة باستخدام الرافعة المالية.
2. تجاهل إدارة المخاطر
- المشكلة: تجاهل تعيين أوامر إيقاف الخسارة، وقواعد تحديد حجم مركز التداول، أو عدم حساب أقصى خسارة محتملة.
- الأثار المترتبة: يمكن أن تؤدي صفقة واحدة سيئة إلى محو الجزء الأكبر من رأسمالك بسبب عدم التحوط من مخاطر الخسارة.
- الحل: احرص دائمًا على وضع أوامر إيقاف الخسارة واستخدام طريقة مناسبة لتحديد حجم مركز التداول بناءً على مقدار رأس المال الذي تنوي المخاطرة به في كل صفقة.
3. عدم فهم الأدوات المالية
- المشكلة:الدخول في مراكز بالرافعة المالية على العقود الآجلة، أو الخيارات، أو عقود المبادلة الدائمة دون فهم آلية عمل هذه الأدوات المالية بشكل كامل.
- الأثار المترتبة: قد يؤدي سوء فهم هذه الآليات إلى تصفية غير متوقعة للمراكز، أو إغلاقات إجبارية، أو خسائر بسبب استنفاد الوقت في عقود الخيارات.
- الحل:ادرس جيدًا نوعية مشتقات العملات الرقمية التي تتداولها، بما في ذلك جميع الأحكام والشروط ذات الصلة، واختبر استراتيجياتك في حساب تجريبي قبل استخدام أموال حقيقية.
4. عدم مراعاة التقلبات
- المشكلة: التغافل عن تأثير التقلبات الشديدة في أسواق العملات الرقمية أثناء استخدام الرافعة المالية.
- الأثار المترتبة: يمكن أن تؤدي تقلبات الأسعار السريعة إلى إغلاق إجباري للصفقات أو خسائر فادحة، لاسيما عندما يواجه السوق انهيارات أو ارتفاعات مفاجئة.
- الحل: اضبط الرافعة المالية وفقًا لظروف السوق، لاسيما خلال فترات التقلبات المرتفعة، واستخدم أوامر لإيقاف الخسارة على مسافات واسعة أو قلِل نسبة الرافعة المالية.
5. إهمال رسوم التمويل وتواريخ الانتهاء
- المشكلة:قد يتغافل المتداول الذي يحتفظ بعقود آجلة أو عقود مبادلة دائمة مفتوحة بالرافعة المالية عن تأثير رسوم التمويل أو حلول تواريخ الانتهاء.
- الأثار المترتبة: يؤدي تراكم الرسوم بمرور الوقت أو الحاجة لترحيل العقود إلى تآكل الربحية أو تزايد الخسائر، لاسيما عند الاحتفاظ بصفقات طويلة الأجل.
- الحل: كُن على دراية برسوم التمويل في عقود المبادلة الدائمة وتواريخ انتهاء العقود الآجلة، وضع هذه التكاليف بعين الاعتبار عند التخطيط لصفقاتك على المدى الطويل.
6. الاحتفاظ بمراكز مفتوحة برافعة مالية أثناء فترات شح السيولة
- المشكلة: يُزيد الاحتفاظ بمراكز مفتوحة برافعة مالية أثناء فترات شح السيولة (على سبيل المثال، خلال عطلات نهاية الأسبوع أو الإجازات الرسمية) من احتمالات حدوث انزلاق سعري وتنفيذ الأوامر بأسعار غير مواتية.
- الأثار المترتبة: قد يتسبب سجل الأوامر الهش في تنفيذ صفقاتك بأسعار أسوأ من المتوقع، مما قد يؤدي إلى خسائر أكبر من المتوقع.
- الحل: تجنب فتح صفقات برافعة مالية مرتفعة أثناء فترات ضعف السيولة، واستخدم أوامر الحد للتحكم في أسعار الدخول والخروج.
7. تجاهل تأثير التصفية
- المشكلة: يركز المتداول عادةً على الأرباح فقط متجاهلاً مخاطر التصفية، لاسيما عند استخدام رافعة مالية مرتفعة.
- الأثار المترتبة: يمكن أن تؤدي حركة السوق السريعة إلى إغلاق تلقائي للمراكز المفتوحة، وهو ما قد يتسبب في أن يتكبد المتداول خسارة تتجاوز الصفقة الحالية، لتشمل رسوم إضافية وضياع أرباح محتملة في المستقبل.
- الحل: تحكم في رافعتك المالية، وراقب سعر التصفية، وتأكد من الاحتفاظ بهامش كافي لتجنب الإغلاق القسري.
8. عدم التحوط بشكل صحيح
- المشكلة: عدم استخدام استراتيجية تحوط عند فتح مراكز بالرافعة المالية.
- الأثار المترتبة: يتعرض المتداول لمخاطر اتجاهية كبيرة في حالة عدم التحوط بالشكل المناسب، وهو ما قد يؤدي إلى تكبد خسائر فادحة أثناء ظروف السوق غير المواتية.
- الحل: استخدم استراتيجيات التحوط، مثل الخيارات أو العقود الآجلة أو التحويل للعملات المستقرة، للحد من المخاطر وحماية صفقاتك المفتوحة برافعة مالية.
9. تجاهل أحداث السوق الخارجية
- المشكلة: عدم الانتباه إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي أو الأحداث التنظيمية التي قد تؤثر على السوق.
- الأثار المترتبة: قد تحفز التغيرات التنظيمية المفاجئة أو محاولات القرصنة أو التحولات الاقتصادية الكبرى تقلبات حادة في السوق، والتي قد تؤدي إلى تدمير المراكز المفتوحة برافعة مالية.
- الحل: كُن على اطلاع دائم بالأحداث الرئيسية، والأخبار، والتغيرات التنظيمية، وقلل الرافعة المالية أو أغلق صفقاتك قبيل الإعلان عن أحداث مؤثرة.
المشهد التنظيمي لمشتقات العملات الرقمية
يتطور المشهد التنظيمي لمشتقات العملات الرقمية بوتيرة سريعة، حيث تعمل الحكومات والسلطات المالية حول العالم لصياغة أطر قانونية توازن بين اعتبارات الابتكار، وحماية المستثمرين، واستقرار السوق. يختلف النهج التنظيمي من بلد لآخر، وهو ما يعزى إلى الطبيعة العالمية للعملات الرقمية وسماتها اللامركزية، بدءًا من الحظر الصريح إلى القبول التنظيمي الكامل.
تخضع الأسواق المالية في الاتحاد الأوروبي للرقابة والتنظيم من قبل “هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA).” وتتضمن إجراءات الحوكمة الإشراف على تداول مشتقات العملات الرقمية، حيث يهدف الإطار التنظيمي لأسواق الأصول المشفرة (MiCA) إلى إتاحة الوضوح التنظيمي للأصول الرقمية والمنتجات ذات الصلة على مستوى البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
تختلف القواعد التنظيمية في أفريقيا بشكل كبير من بلد لآخر، ففي حين تتبنى بعض البلدان العملات الرقمية بشكل صريح، تحظرها بلدان أخرى. على سبيل المثال، تسمح جنوب أفريقيا بتداول مشتقات العملات الرقمية تحت ظروف معينة، حيث تلتزم تلك المنصات بالامتثال لتوجيهات هيئة مراقبة سلوك القطاع المالي (FSCA). واعتبارًا من أكتوبر 2024، صنفت الهيئة الرقابية الأصول الرقمية كمنتجات مالية تخضع للإطار التنظيمي المنصوص عليه في قانون الخدمات الاستشارية والوساطة المالية (FAIS).
تقدم شركات الوساطة والمؤسسات المالية في هذا الجزء من العالم خدمات الوصول إلى سوق العملات الرقمية تحت إشراف صارم للهيئات التنظيمية والرقابية. على سبيل المثال، تُشرف وكالة الخدمات المالية (FSA) في اليابان على تداول مشتقات العملات الرقمية، حيث توفر واحدة من الأطر التنظيمية الأكثر مرونة للأصول الرقمية. تلتزم منصات التداول بالتسجيل مع وكالة الخدمات المالية والامتثال لمتطلبات التحقق (اعرف عميلك)، ومكافحة غسيل الأموال، ومتطلبات رأس المال حتى يُسمح لها بالعمل في هذا البلد.
يلتزم الوسطاء في سنغافورة باللوائح التنظيمية التي تفرضها هيئة النقد السنغافورية (MAS). تتولى الهيئة تنظيم جميع المنتجات المالية وتسمح بتداول مشتقات العملات الرقمية من خلال شركات مرخصة تلتزم بالامتثال للوائح المحلية. لا توجد قيود محددة على الرافعة المالية، ولكن يتعين على المنصات اتباع الإرشادات العامة لإدارة المخاطر.
تتولى هيئة الأوراق المالية والعقود الآجلة (SFC) الإشراف والرقابة على الخدمات المالية في هونج كونج. تُلزم SFC المنصات التي تقدم مشتقات العملات الرقمية بالتسجيل واتباع توجيهات صارمة مماثلة لتلك التي تخضع لها المنتجات المالية التقليدية. وتفرض هيئة الرقابة المالية منذ عام 2020 لوائح تُلزم جميع منصات العملات الرقمية العاملة في هذا البلد بالامتثال لقوانين الأوراق المالية.
بالرغم من حالة القبول العامة لتداول العملات الرقمية واحتضانها في بلدان جنوب شرق آسيا، اتخذت الصين نهجًا هو الأكثر صرامة على مستوى العالم، حيث حظرت جميع أشكال تداول العملات الرقمية منذ عام 2021. ويسري هذا الحظر الذي فرضه بنك الشعب الصيني على البورصات المحلية والمنصات الأجنبية العاملة في البلاد.